الإمام الخميني أعاد للإنسانية كرامتها وللمؤمنين عزّتهم وللمسلمين قوتهم .
الإمام الخامنئي دام ظله
﴿أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾
إذا أردنا التحدث عن شخصية إمامنا ـ ذلك الإنسان السامي والمسلم الحرّ ـ ليس لنا إلاّ أن نلوذ بالقرآن الكريم، فنتأمل في آياته التي وصفت عباد الله الصالحين.
لقد كان مصداقاً للمجاهدين المهاجرين المؤمنين ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ﴾ فلبّى نداء الله في قوله تعالى ﴿كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ﴾ و﴿كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ﴾ فنهض نهضته التاريخية الكبرى من أجل إقامة العدل والقسط وإنقاذ المستضعفين من الظلم والتمييز العنصري، وكان شديداً على الكفار عنيفاً على المشركين رؤوفاً عطوفاً على المسلمين، وكان بذلك مصداقاً لقوله تعالى: ﴿أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ﴾. وكان ينهى عن الفحشاء والمنكر ويجاهد في سبيل الله حتى صار من الذين ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.
إنّه لم يجسّد القرآن في الحياة الاجتماعية ولا بتشكيل المجتمع الإسلامي فحسب بل وفي نفسه وحياته أيضاً.
شخصية فريدة يندر ظهورها في التاريخ.
هو الروح الذي هبّ يحمل عصا موسى ويده البيضاء وفرقان المصطفى من أجل إنقاذ المظلومين، لقد أعاد للإنسانية كرامتها وللمؤمنين عزّتهم وللمسلمين قوتهم وشوكتهم، ونفخ في عالم المادّة الميتة الروح والمعاني، ووهب عالم الإسلام الحركة، وألهب نفوس المجاهدين في سبيل الله حماساً، فاكتشفوا الطريق طريق الشهامة والشهادة.
هو الذي علّم الشعوب كيف تحطّم قيود الذلّة والأسر ومقارعة المتسلطين، فهزّ عروش الفراعنة وأضاء الأمل في عيون المستضعفين.
وما يزال اليوم يفعل ذلك يهزّها بعد وفاته.
لقد قيل فيه الكثير، وفي رأيي لا يزال الوقت مبكراً لكي يمكن للمحللين في العالم أن يدركوا أبعاد شخصية عظيمة تحتل مكانها بعد الانبياء والأولياء.
شخصية فريدة يندر ظهورها في التاريخ.
أعماله وأنجازاته الكبرى
لقد أنجز الإمام أعمالاً كبرى تتناسب وعظمته، أذكّركم اليوم ببعضها. ولو قام المحللون والمفكرون بإحصاء أعمال الإمام فإنّهم ولاشكّ سيدرجون أضعاف ما أذكره الآن.
في طليعة أعماله العظيمة، بعثه للإسلام من جديد. مائتا عاماً والدوائر الاستعمارية تعمل على طمس الإسلام. لقد هتف أحد رؤساء الوزراء الانجليز في أحد المحافل السياسية للمستعمرين قائلاً: يجب أن نعمل على إزواء الإسلام في البلدان الإسلامية. لقد أنفقوا مبالغ طائلة من أجل إقصاء الإسلام بعيداً عن الحياة العامّة أولاً، ثم إخراجه حتى عن دائرة التفكير والعمل الشخصي للإنسان المسلم؛ ذلك أنّهم كانوا يدركون أنّ هذا الدين هو العقبة الكبرى التي تقف في طريق نهبهم لثروات الشعوب الإسلامية، فجاء إمامنا ليعيد للإسلام روحه، ويحتل موقعه في دائرة التفكير الإنساني والساحة السياسية العالمية.
إنّ عمل الإمام الثاني والكبير يتجلّى في إرجاعه لروح العزّة والكرامة للمسلمين. لقد نجم عن نهضة الإمام الكبرى شعور المسلمون في كل مكان بعزّتهم وهوّيتهم. لقد أخبرني أحد المسلمين من دولة كبرى؛ يشكلّ المسلمون فيها أقلية، قائلاً: قبل الثورة الإسلامية، كنا نخفي هويتنا الإسلامية، وكانت ثقافتنا المحليّة تقتضي من الجميع، إختيار اسم محلّي. وكانت الأسر المسلمة تنتخب أسماء إسلامية لأبنائها ولكنها كانت متداولة سرّاً حيث لا يجرؤ أحد على إظهار تلك الأسماء حياءً. ولكنّ الذي حدث بعد ذلك أنّهم أصبحوا يفتخرون بتلك الأسماء ويعتزون بها بمجرّد انتصار الثورة الإسلامية. فإذا سئل أحدهم عن اسمه ذكر اسمه الإسلامي باعتزاز.
ثالث انجازات الإمام العظيمة هو قضاؤه على أكثر الأنظمة قذارة وفساداً وأكثرها رجعية وتبعية في المنطقة. أي قضاؤه على الحكومة الملكية في إيران، وهذا من أكبر الأعمال التي يمكن للمرء أن يتصورها. لقد كانت إيران تمثّل أكبر قلاع الاستعمار في منطقة الخليج الفارسي والشرق الأوسط. ولقد تهاوت هذه القلعة على يد إمامنا.
رابع انجازات الإمام هو تشكيله لحكومة تنهض على أساس الإسلام، وهو ما لم يخطر على بال المسلمين وغير المسلمين، وما لم يكن ليحلم به حتى بسطاء المسلمين.
ومن هنا فإنّ ما قام به الإمام يمثّل في الواقع معجزة كبرى حيث جعل من هذا التخيل الأسطوري حقيقة ماثلة على أرض الواقع.
خامس انجازات الإمام هو إحداثه لنهضة إسلامية في العالم، ففي كثير من الدول بما في ذلك الدول الإسلامية كانت الفصائل المعارضة تنْظَم لألوية اليسار عندما تريد دخول معترك الصراع، ولكن وبعدما انتصرت الثورة ظهرت الحركات التحررية التي اتخذت من الإسلام منطلقاً لها.
واليوم وفي كل بقاع الأمة الإسلامية نجد الجمعيات والفصائل التي يقوم نشاطها على أساس الحرية ومواجهة الاستكبار، تتخذ الفكر الإسلامي قاعدة وأساساً وأملاً لانطلاق عملها ونشاطها.
سادس أعماله الكبرى رؤية جديدة في الفقه الشيعي. إنّ لفقاهتنا دعائم قوية غاية في الإحكام، والفقه الشيعي يعدّ في الطليعة من حيث أصوله ومبانيه. لقد جاء الإمام ليفتح باباً واسعاً ينفتح على العالم والإدارة والحكم. وأبان لنا أبعاداً جديدة لم تكن واضحة قبل ذلك.
سابع أعماله، هو إبطاله الأعراف المغلوطة على صعيد السيرة الأخلاقية الذاتية للحكّام. فلقد أصبح من الطبيعي جداً في دنيا اليوم أن يعيش الزعامات بشكل مميّز، وأضحى من حقّهم التكبر على غيرهم، وأن يعيشوا حياة الإسراف والتبذير في إطار فاضح من الأنانية والغطرسة. وهذا ما نشاهده فيمن يرأسون الأمور في عالم اليوم. فحتى في الدول الثورية يمارس الثوار ــ الذين بالأمس كانوا يعيشون بالخيام وفي الأوكار ــ نفس هذا الأسلوب بمجرد وصولهم إلى الحكم واستلامهم سدّة الرئاسة؛ إذ نشهد تغيّراً هائلاً في سيرتهم، فتظهر سيرة جديدة تتلاءم ومناصبهم الجديدة. ولقد شهدنا ولمسنا هذا من قرب وهو ليس بالأمر العجيب لدى الشعب.
وجاء الإمام ليبطل هذا الاعتقاد المغلوط. وليثبت أنّ بإمكان القائد الذي تحبّه أمته وغيرهم من مسلمي العالم، أن يعيش حياة الزهد والبساطة. وأن يعيش في بيت صغير ويستقبل الناس في حسينية بدل القصور المشيّدة ويعامل الناس بأخلاق الأنبياء.
ثامن أعماله يتجلّى في بعثه لروح الثقة والاعتداد بالنفس لدى الشعب الإيراني.
إخوتي الأعزاء: إنّ الحكومات الاستبدادية والفردية ، قد جعلت من شعبنا؛ لسنين متطاولة ــ الشعب الذي يزخر بكل القابليات والاستعدادات الاستثنائية، وذو أمجاد علمية وسياسية في التاريخ الإسلام ــ شعباً ضعيفاً خانعاً.
لقد عملت القوى الكبرى ــ الانجليز فترة ثم الروس والدول الأوروبية الأخرى وأخيراً أمريكا ــ على إهانة شعبنا، حتى استسلم الشعب إلى واقعه فعدّ هذا قدراً، وأنه لا حول له ولا قوة في مضمار الأعمال الكبرى والبناء والإبداع، وأنّه لابدّ له في ذلك من أسياد يسوقونه حيثما يشاؤون، وبهذا قتلوا في الشعب روح الكبريا. وإذا بالإمام يخرج ليبعث هذه المشاعر من جديد.
إنّ شعبنا اليوم لا يخاف ولا يرهب التواطؤ والمؤامرات المشتركة التي تحاك ضده من الشرق والغرب ولا يخاف الرجعية.
إن شبابنا يشعر بأنه قادر على صناعة بلده، وإنّ شعبنا يشعر باقتداره الكامل أمام عنجهية الشرق والغرب.
وأخيراً أشير إلى تاسع أعماله الكبرى، وهو إرساؤه لمعادلة جديدة لم تكن موجودة من قبل. لقد أثبت على أرض الواقع إمكانية العيش في ظلال: "لا شرقية ولا غربية"، فيما كان الآخرون يجعلون من الاعتماد على إحدى الكتلتين قدراً محتوماً. وأنّه لابدّ من جلب رضا إحدى الكتلتين. ولم يخطر ببال أحد أنّ بإمكان شعب ما أن ينهض ليقول للشرق: لا، وللغرب: لا. فلما جاء الإمام جعل من ذلك الحلم حقيقة باهرة.
يوم بدأ نهضته كان الذين يعتقدون بإمكانية قيام مثل هكذا نهضة، قليلين جداً، ويوم رفع شعاره في إسقاط نظام الشاه كان الذين يظنون إمكانية ذلك يعدّون بالأصابع.
ويوم أعلن سياسة «لا شرقية ولا غربية»، فإن الذين يفكّرون بإمكانية ذلك دون الاعتماد على الشرق والغرب، كانوا نوادر.
ويوم هتف قائلاً: إنّ أمريكا لا تستطيع أن ترتكب أية حماقة، كان الذين يؤمنون بعجز أمريكا عن ارتكاب حماقة ما، نفراً يسيراً.
لقد قام بكل هذه الأعمال الكبرى لأنّه كان متوكلاً على الله، مؤمناً بأنّ الله على كل شيء قدير.
تمجيد الإمام لا يكفي:
إنّنا، من وراء ترديد هذه الحقائق، ينبغي أن لا ننشد سوى هدف واحد، وهو استلهام العبر لا غير. وإلاّ فإنّ تمجيد الإمام وحده لا يكفي، وربما يصبح مضرّاً في بعض الأحيان. وذلك أنّنا عندما ندرك أنّه قام بكل هذه الأعمال نتصور أنّه لم يبقَ لنا ما ينبغي القيام به.
إنّنا نمجّد ذلك الإنسان العظيم ونتخذ منه قائداً ورائداً وقدوة من أجل أن نسير على دربه ونمضي في طريقه. لقد كانت التقوى شعاراً له، فلنجعل من تقوى الله شعاراً لنا في الحياة. والتقوى أن نراقب أنفسنا؛ فلا نقدم على شيء خلافا لإرادة الله سبحانه.