استطاع الإمام الخميني(قدس سره) أن يفرض هوية جديدة على عالم السياسة المغمور بالاضطرابات. وهي هوية الجمهورية الإسلامية في هذه المنطقة إنها هوية إسلامية وهوية وطنية، وهي ليست حكراً على الشعب الإيراني.
إنّ الهوية الإسلامية هي هوية كافة شعوب الإسلام. ولقد استطاع إمامنا العظيم استرجاع هذه الهوية بفضل إرادة وعزم الشعب الإيراني وأن يجعلها حيّة نابضة.
لقد كان الغرب قد أحكم سيطرته على هذه المنطقة منذ سنوات طويلة. وبعد الحرب العالمية الثانية، كان بَسْطُ النفوذ على منطقة الشرق الأوسط على وشك بلوغ نهايته. لقد كان الاستعمار قد بدأ في تنفيذ مشروعه السلطوي منذ سنوات. وكان يرى أنّ مشروعه قد تكلل بالنجاح في تلك المرحلة.
فالعراق كان يرزح تحت السيطرة الاستعمارية بشكل ما، وإيران بشكل آخر، والبلدان العربية من أمثال الأردن وسوريا ولبنان ومصر وسواها، كانت تعاني هي الأخرى بشكل أو بآخر من سطوة السيطرة الاستعمارية ونفوذ المستعمرين الغربيين والأوروبيين ومن ثم الأمريكيين.
ولتعزيز نفوذهم الاستعمارية، فإنهم زرعوا بذرة الكيان الصهيوني الغاصب في تراب هذه المنطقة الحساسة؛ حتى يتأكّدوا أنّ الغرب له وجوده المحسوس وسيطرته العسكرية والسياسية الفاعلة بفضل الصهاينة، وأنه يبسط يده على كل شيء.
لقد ظهرت حركات التحرر في عدد من البلدان في السنوات الأخيرة من النصف الأول وأوائل النصف الثاني من القرن الماضي. ولكن الغربيين تمكّنوا من قمعها بسرعة وأن يسيطروا على مساراتها. وهذا ما حدث في العراق بشكل من الأشكال، وفي بعض البلدان العربية الأخرى بصورة أو بأخرى. وكذلك في مصر بنحو من الأنحاء. فلم يسمح الغربيون إطلاقاً بأن تخرج هذه المنطقة الحساسة والغنية بالمصادر الحياتية عن سيطرتهم.
وفي مثل هذه الظروف فاجأتهم الثورة الإسلامية بالاندلاع. إنهم لم يكونوا يصدّقون أنّ نهضة دينية بقيادة الإمام تتحوّل إلى مثل هذه الحركة الشعبية الواسعة.
إنّ أحداً في عالم السياسة لم يكن يصدّق أنّ نظاماً يطل برأسه في هذه المنطقة فجأة ـ ولا سيّما في إيران التي كانت خاضعة بحكومتها وبلاطها خضوعاً تاماً للنفوذ الأمريكي ـ ثم يقيم دولة على أساس ومباني وأحكام الدين؛ حاملاً لواء الإسلام: (لا إله إلا الله محمد رسول الله).
إنّ المتبحّرين في السياسة آنذاك أدركوا أنّ مصير هذه المنطقة قد تغيّر. وبالطبع فإن المتسلطين حاولوا بكل ما لديهم أن يطفئوا نور هذه الشعلة وأن يقضوا على هذه النهضة، وأن يئدوا هذا الوليد الجديد. غير أنّ العارفين ذوي البصيرة كانوا يعلمون أنّ يد القدرة الإلهية آخذةً في الظهور.
* من كلمة الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة الذكرى السنوية الثامنة عشر لرحيل الإمام الخميني (قدس). الزمان: 14/3/1386هـ. ش ـ 18/5/1428هـ.ق ـ 4/6/2007م.